تتركز أدوارها في إعمال الفكر وإبداء الرأي الحر واحترام الآخر وبناء الشخصية المتوازنة
تضمنت الورقة المقدمة في الدورة التكوينية التي نظمتها اكاديمية الدارالبيضاء يومي 21 و22 مارس الماضي، في موضوع تحسين جودة الحياة المدرسية بالتعليم الابتدائي، تعريفا للحياة المدرسية باعتبارها «مجموع المعايير والوقائع الخاصة بالحياة الجماعية داخل الوسط المدرسي»، اسوة بتعابير كالحياة العائلية والحياة الاجتماعية والحياة السياسية. وقد حاولت المذكرات الصادرة في هذا الشأن (المذكرة 87 مثلا) «تحديد معايير ذات خصوصية مدرسية» تتميز عن تلك المستلهمة من مؤسسات أخرى كالجامعة والجيش والمعمل، ويمكن ان تتجلى الحياة المدرسية في ثلاثة حقول وظيفية كبرى هي الزمان والفضاء والعلاقات بين الأشخاص، وهي مجالات تنظيمية بالنسبة الى المؤسسة المدرسية»، تنظم من خلال تقنين جزء من هذه المعايير بصيغ مختلفة، ويستعصي جزء آخر منها عن أي تنظيم إداري أو قانوني.وجاء في الورقة المشار إليها أعلاه، أن التطورات الملاحظة الآن «تمس أولا المؤسسة المدرسية والتنظيم المدرسي». ذلك أن الهيمنة الايديولوجية للنموذج الاستراتيجي تسببت في زعزعة النموذج البيروقراطي الذي يخضع جميع المجالات للمعايير الادارية، كما أن التطورات السيوسيو ثقافية خلا النصف الثاني من القرن العشرين تركت أثرا بالغا على التربية المدرسية، سيما ما يتعلق بتعمق الفردانية وأزمة السلطة وتحولات الأسرة، إضافة إلى هاجس الالحاح في طلب النجاح، بما أنه يعتبر نجاحا في الحياة، وكذا التنازل الواضح للمدرسة عن مهمة تعليم الخضوع للسلطة، ناهيك عن تطور التصورات التربوية ومطلب دمقرطة المؤسسة.
وطرحت الورقة ذاتها المقدمة للمستفيدين من الدورة التكوينية، مفتشين ومديرين، عددا من الاشكاليات المرتبطة بالحياة المدرسية. و»تتعلق مجموعة أولى من الأسئلة باستعمال معايير الحياة المدرسية من اجل تنظيم المؤسسات المدرسية». فحياة أي مؤسسة لابد أن يتطلب حدا أدنى من التنظيم. و»ترتبط مجموعة ثانية من الأسئلة باستعمال بعض جوانب الحياة المدرسية بهدف تربية التلاميذ». فيما تدور المجموعة الثالثة من الأسئلة حول موضوع انسجام الحياة المدرسية مع محيطها، وفيها نجد الجوانب المهنية التنظيمية والتربوية»، ويمثل التلاؤم بين التنظيمين الأسري والمدرسي مصدرا لتوترات متزايدة بينهما، «أيهما يكون عليها أن تتكيف مع الأخرى فيما يخص المواظبة والراهانات استعمال الزمن السنوي والأسبوعي واليومي؟".
"غير أن الأسئلة الأكثر أهمية»، ترى الورقة ذاتها، «هي الأسئلة التربوية»، من قبيل «هل ينبغي الاقرار بنقص الانسجام التربوي بين المحيط الاجتماعي والأسر والمدرسة؟ هل ينبغي أن نقبل التوترات أم نحاول تجنبها بإقامة اجهزة للبحث عن التعاون؟ هل ينبغي ان ننتصر لهذا التنوع ونذعن له بوصفه معطى في الحياة المدرسية".
إن الأجوبة على مختلف الأسئلة المنبثقة من اشكاليات الحياة المدرسية تستدعي تكوين العاملين بالحياة المدرسية التوجيهات الخاصة بها، و»إذا فحصنا الوضعية الحالية وجدنا أنه في غياب تفكير في الموضوع إنما نقدم اجوبة متعارضة بل متناقضة حسب الاماكن والفترات، وأحيانا في المكان ذاته واللحظة ذاتها». وعليه حددت الورقة عناصر لتحديد سياسة للحياة المدرسية، فبخصوص المجالات الاساسية التي يتحتم وضع سياسة للحياة المدرسية فيها فهي استقبال التلاميذ وتدبير الغياب والتأخر، وتدبير الفضاء، والاعتراف بالعمل والسلوكات، والحياة والديمقراطية، والحياة الجمعوية والثقافية والرياضية، التربية على الصحة، والاخلال بالواجبات".
اما السياسة التربوية فتتطلب وضع شروط علاقة تربوية بين الكبار والمراهقين، تتضمن اخلاقا مشتركة «قائمة على كرامة واحدة لجميع البشر (أساس فكرة الانسانية)، ومسؤولية الكبار تجاه الاطفال والشباب (اساس سلطتهم)، وواجب التضامن بين جميع الناس (أساس الاخوة الانسانية)»، وتتضمن ايضا ثلاث مسلمات هي المسؤولية الفردية والانسانية والقابلية للتربية واحترام مبادئ الحق وقواعده.
ولقد حاولت المذكرة 87، الخاصة بتفعيل أدوار الحياة المدرسية أن تحدد هذه الادوار في إعمال الفكر، والقدرة على الفهم والتحليل والنقاش الحر، وإبداء الرأي واحترام رأي الآخر، والتربية على الممارسة الديمقراطية وتكريس النهج الحداثي والديمقراطي، والنمو المتوازن عقليا ونفسيا ووجدانيا، وتنمية الكفايات والمهارات والقدرات لاكتساب المعارف، وبناء المشاريع الشخصية، وتكريس المظاهر السلوكية الايجابية، والاعتناء بالنظافة ولياقة الهندام، وتجنب ارتداء أي لباس يتنافى والذوق العام، والتحلي بحسن السلوك أثناء التعامل مع كل الفاعلين في الحياة المدرسية، وجعل المدرسة فضاء خصبا يساعد على تفجير الطاقات الإبداعية واكتساب المواهب في مختلف المجالات، والرغبة في الحياة المدرسية والإقبال على المشاركة في مختلف أنشطتها اليومية بتلقائية، وجعل الحياة المدرسية عامة، والعمل اليومي للتلميذ خاصة، مجالا للإقبال على متعة التحصيل الجاد، والاستمتاع بحياة التلمذة، وبالحق في عيش مراحل الطفولة والمراهقة والشباب من خلال المشاركة الفاعلة في مختلف أنشطة الحياة المدرسية وتدبيرها، والاعتناء بكل فضاءات المؤسسة وجعلها قطبا جذابا وفضاء مريحا".
عبد الكريم مفضال
الصباح التربوي
0 التعليقات :
إرسال تعليق