إصلاح التعليم في العالم العربي وتوسيع قاعدة المشاركة المجتمعية

السلام عليكم


إصلاح التعليم في العالم العربي وتوسيع قاعدة المشاركة المجتمعية
د. هاني سعيد عبد الرحمن الشتلة
أستاذ باحث مساعد- قسم الدراسات الإقتصادية- مركز البحوث

            لقد تبخرت فوق الذكريات أحلامنا الجميلة عندما خرجت مدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا من الترتيب العالمي، فلا مدرسة ولا جامعة في بلادنا العربية والإسلامية تحتل ترتيبا متقدما بين دول العالم، وأصبحنا في ذيل القائمة إن كان لنا تواجدا من الأصل، فلا تصنيف دولي ولا عالمي ولا حتي عربي لنا، بعدما كانت جامعتنا ومدارسنا محط أنظار العالم، ويحضرني هنا خطاب جورج الثالث ملك إنجلترا والغال والنرويج عندما أرسل رسالته إلي ملك المسلمين صاحب العظمة الخليفة الجليل هشام الثالث قال له فيها: بعد التعظيم والتوقير فقد سمعنا عن الرقي العظيم الذي تتمتع بفيضه الصافي معاهد العلم والصناعات في بلادكم العامرة فأردنا لأبنائنا إقتباس نماذج من هذه الفضائل لتكون بداية حسنة في إقتفاء أثركم لنشر أنوار العلم في بلادنا التي يسودها الجهل من أركانها الأربعة. وفي أعتاب الحرب العالمية الثانية وتحرير فرنسا قابل شارل ديجول صديقه الصحفي مارلو الذي أصبح فيما بعد وزيرا للثقافة فسأله: أنا أعلم أن الإحتلال النازي دمر كل القيم الحرة في فرنسا وأشاع فيها الفساد، ولكن حدثني عن الجامعة والقضاء فأجاب: Mon general cava enpeut  أي إن الأمر بالنسبة للجامعة والقضاء ما زال يسيرا، و إن كان علي نحو محدود. فأجابه شارل ديجول: إذا كانت الجامعة والقضاء لم يصيبهما الإنهيار الكامل شأن غيرهما من المرافق فإننا نستطيع إعادة بناء فرنسا. وبالفعل فقد أعادوا البناء، وأصبحت فرنسا متقدمة عنا بمراحل في كل المجالات. فأصبح بكائي علي بلادنا فصرنا كما قال الشاعر: لما جَدَ من عكس الأمور بنا نمشي علي الرأس لا نمشي علي القدم. هكذا عُدنا مرة أخري لنكتب لكم في مجلتكم الكريمة التربية والتعليم فإن عدتم عدنا عود حميد والعود أحمد، مرة تلو الأخري في محاولة للنهوض بالتعليم في مصر ومجتمعنا العربي، إذ أن نهضة مصر من نهضة الأمة والعكس بالتأكيد صحيح، فقد سبقت الإشارة بأن تطوير التعليم يعتبر قضية جوهرية من قضايا الإصلاح الإجتماعي، وذلك لمحورية التعليم في التنمية البشرية والمجتمعية المستدامة، ومع حدوث المتغيرات والتطورات العالمية في العولمة وإقتصاد المعرفة، أصبح من الضروري مراجعة النظر في نظم التعليم في مصر وبلادنا العربية لمواجهة تلك المستجدات. إذ أن تطوير التعليم يهدف إلي تهيئة العملية التعليمية لإعداد خريج ذي مواصفات خاصة، يكون مؤهلا علميا بأحدث العلوم والمعارف العالمية، متمكنا من المهارات التي تؤهله لخدمة الوطن والعالم، منتميا لثقافة بلاده وقيمها الأصيلة، إلي جانب قدرته علي التواصل مع المجتمع الخارجي، بحيث يمتلك القدرة التنافسية العالمية التي تمكنه من التنافس العلمي والمهني والفكري إقليميا وعالميا.
- أسس ومقومات السياسة التعليمية  
        يجب أن تعتمد السياسة التعليمية المراد تحقيقها علي عدة أسس ومقومات من أهمها ما يلي:
1- إن التعليم والتعلم وجهان لعملة واحدة، إلا أن التعليم النظامي يحتل جانبا أساسيا في هذا المسار، لأنه يمثل حلقة التعليم المستمرة التي يدور في فلكها الإنسان ليكتسب المعارف الأساسية ومهارات الإتصال المختلفة.
2- إن التنمية البشرية تتم بتكامل مجموعة من العناصر أهمها توافر المعرفة والثقافة، والمستوي الإقتصادي والمشاركة الإيجابية مجتمعيا وسياسيا، مع وجود نظام تعليمي ذي جودة عالمية عالية.
3- إن تطوير التعليم لا ينبغي بأي حال أن ينعزل عما يحدث إقليميا وعالميا ودوليا.
4- إن المدرسة والمعلم والمنهج والطالب هم أساس العملية التعليمية، وإدارة المدرسة هي العصب، لذا يجب أن يتاح لها من الصلاحيات الإدارية والفنية ما يؤهلها للقيام بمهامها وتحقيق أهدافها، كما أن أي تطوير لابد أن يكون من خلال المعلم، فهو صانع التطوير الأول، وبالتالي لابد من تطوير قدراته ووضعه المادي والأدبي في المجتمع، إضافة إلي تطوير المناهج وتعديل ما نراه في مناهجنا التي يتم تدريسها من عشرات السنين.
5- التطوير يبدأ بالتجرية، ويجب أن يسمح للمدارس التجريبية بنوع من الإستقلال لتطبيق عناصر التطوير والإبتكار العلمي والعملي.
- محاور التطوير
           إستنادا إلي أسس ومقومات السياسة التعليمية السابق ذكرها فإن رؤية التطوير تعتمد علي المحاور التالية:
1- إتاحة الفرصة الكاملة للتعليم من خلال زيادة الإستيعاب في مختلف المراحل التعليمية، لما له من أثر علي التنمية البشرية والمجتمعية، بحيث لا يكون هناك فرد في المجتمع إلا وله فرصة في التعليم والتعلم، والحد من ظاهرة التسرب التعليمي عن طريق تشجيع المدارس والطلاب بكل وسائل التشجيع، كذلك القضاء علي الفجوة النوعية في نسب التعليم بين الذكور والإناث وذلك بمشاركة المجتمع المحلي والأهلي، وإستكمال البنية الأساسية والتجهيزات اللازمة للمؤسسة التعليمية بتوفير الموارد المالية اللازمة لذلك.
2- تحقيق الجودة الشاملة في التعليم بإعتبارها محورا أساسيا يجب تبنيه للوصول إلي منتج تعليمي (خريج) علي مستوي عال من الكفاءة، ويتصف بالمواصفات المطلوبة والمرغوب بثها في الخريج. ويمكن تحقيق تلك الجودة عن طريق إنشاء هيئة إعتماد وضمان جودة التعليم، تلتزم بمعايير قومية لقياس منتج التعليم، وتطير أسلوب وضع المناهج التعليمية، وتحسين أداء المعلم والإدارة، وتحديث أساليب التقويم، والحياة الطلابية حتي يتكامل النمو العقلي والوجداني والروحي والبدني وتعويدهم علي المشاركة بالرأي وممارسة الديمقراطية، والتوسع في إستخدام التكنولوجيا، وتنمية القيادات، علي أن يتم التطوير تدريجيا في إطار محسوب، علي أن تكون الفئات المستفيدة مشاركة فيه، مع تبني رؤية جديدة لتخطيط ميزانيات التعليم من خلال تحديد أولويات التنمية في الدولة هل هي لكل من التعليم أم الصحة أم المرافق، إلخ، وضرورة المشاركة الإجتماعية في الإنفاق علي التعليم مع التأكيد علي مجانيته، وتحسين جودته، وإعادة توزيع الميزانيات بين المحافظات والمدارس بناءا علي أدائها وخطط التطير المقدمة منها  وزيادة القدرة التنافسية لها.
3- العمل في إطار من اللامركزية والمشاركة الإجتماعية، لما لذلك من مزايا التوجه نحو اللامركزية تتمثل في إتاحة الفرصة للوزارات المعنية بالحالة التعليمية للتركيز علي مهام التخطيط الإستراتيجي، ووضع السياسات العامة ومتابعة تنفيذها، وتحفيز الجهات المحلية علي القيام بالدور المنوط بها من خلال تنمية قدراتها، ومكافأة المتميزين بما يزيد إنتاجيتهم. إتاحة الفرصة للسلطات المحلية للإرتباط بمؤسسات المجتمع المدني والإستفادة من خبراته وإمكانياته، وتقوية العلاقات المتبادلة بينهما. تنمية القدرات الفنية والإدارية للقيادات المحلية ورفع كفائتها، وما ينتج عن ذلك من سرعة إتخاذ القرارات بعيدا عن البيروقراطية وتعقيدات الأمور. مساندة التوجه نحو مجتمع المعرفة، من خلال التأكيد علي الإبداع والإبتكار والخصوصية الفردية، والإستجابة لإحتياجات المجتمع. مساندة الدولة لتحقيق مبدأ الجودة الشاملة للخدمة التعليمية، مما يتطلب إنشاء مؤسسات رقابية مستقلة عن الوزارات المعنية ومقدمي الخدمة، بمشاركة منظمات المجتمع المدني، والمشاركة الشعبية والمجتمعية للأفراد المعنيين بقضايا التعليم. تحقيق مبدأ المشاركة المجتمعية التي تعد هدفا أساسيا للتنمية البشرية، وليست فقط وسيلة لتحسين العملية التعليمية، وذلك بإعتبار أن التعليم قضية قومية، وليست حكومية، كما أن المشاركة المجتمعية وسيلة لتكوين رأي عام علي وعي دائم وإهتمام بتلك القضية المطروحة في المقال. تُري هل وضعنا أيدينا علي الجرح أم يأتيني الرد: ذهبت ملهوفا إليك فلم أجد إلا صداي.



ضع بريدك ليصلك جديدنا:


بعد إدخال بريدك الإلكتروني المرجو تفعيل الإشتراك بالضغط على الرابط الذي سيصلك إلى بريدك الإلكتروني.
المشتركون لحد الآن
ششارك على جوجل بلس

عن tarrbia

أكتب هنا نبذة عنك للتعريف بنفسك.
    تعليقات بلوجر
    تعليقات الفيس بوك

0 التعليقات :

إرسال تعليق

أقسام المدونة